تقع كنيسة القدّيس جاورجيوس في ساحة قرية كفرعقـّا، على الجهة الشماليّة للمنطقة المأهولة حاليًّا. هذه الكنيسة الواسعة نسبيًّا هي اليوم كنيسة الرعيّة.
الكنيسة حسب معلوماتنا هي الوحيدة التي لها مخطـّط على شكل صليب داخل مستطيل. أقسام المخطـّط الرئيسيّة ظاهرة للعيان من الخارج، ذلك أنّ فسحات صحن الكنيسة التي تشكـّل ذراعيّ الصليب ليست أوسع من الزوايا المربّعة وحسب بل أكثر ارتفاعًا أيضًا. فالفسحات الثمانية تعلوها عقود سريريّة ما خلا مكان التقاء عوارض الصليب فإن العقدين السريريّين فيه يتحوّلان إلى عقد متصالب.
يظهر مخطـّط البناء في الوقت ذاته على شكل بازيليك تنتهي عند الشرق بثلاث حنيّات مجوّفة داخل صدر مسطـّح. والحنيّة المركزيّة هي بطبيعة الحال أعلى وأوسع من الحنيّتين الجانبيّتين اللتين ينتهي بهما صحنا الكنيسة المتشكـّلان من الزوايا المربّعة لفراغات الصليب. يخترق كلٌّ من الحنيّات الثلاث منفسٌ، والمنافس الثلاث هي على شكل صليب من الداخل، أمّا من الخارج فيظهر منفس الحنيّتين الجانبيّتين كفتحتين بسيطتين، في حين أنّ المنفس الأوسط متميّز عن البقيّة بفتحة مزخرفة بأشكال هندسيّة. يجري الاتصال بين الحنيّة الرئيسيّة والحنيّتين الجانبيّتين عبر ممرّات فتحت شرق الجدران الفاصلة بين صحون الكنيسة. وفي سائر الجدران الفاصلة هناك قناطر واسعة للعبور بين صحون الكنيسة وفسحاتها.
تخفّ المبالغة في التقشّف الزخرفيّ في كنيسة القدّيس جاورجيوس في كفرعقـّا عبر عنصرين زخرفيَّين نموذجيَّين في الفنّ الغربيّ الذي تميّز في الشرق.
أولاً عبر الكورنيش المزخرف الفاصل بين الحنيّة المركزيّة من جهة وبين صدفتها والعقود السريريّة من جهة أخرى. هذه الزخرفة تزنـّر مجمل الجدران الداخليّة لصحون الكنيسة التي تشكـّل ذراعي الصليب. ويتميّز الكورنيش الذي يفصل بين الحنيّة الشماليّة وصدفتها عن زخرفة سائر الكورنيش قليلاً لكن ذات مصدر وحي واحد.
ثانيًا عبر المدخل المزخرف الذي ينفرد بوضوح عن الجدار الشماليّ المبنيّ بحجارة الدبش. يحمل العقد المنقوش والمزخرف، الذي يعلوه، سمات التأثير الصليبيّ، وقد نقش على النمط ذاته كمجموعة كبيرة من العقود التي عُرفت في لبنان وفي الإمارات اللاتينيّة في الشرق. وتقترب هذه الزخارف من تلك الموجودة، ولو بشكل أغنى، فوق مدخل كاتدرائيّة جبيل الجنوبيّ والمدخل الغربيّ لكنيسة قلعة المرقب وكنيستي المخلص في كبّا والقدّيسة كاترينا في أنفة.
تحتوي الواجهة الغربيّة على بابين: الباب الأوسع يؤدّي إلى صحن الكنيسة الرئيسيّ، أمّا الباب الثاني المغلق حاليًّا، فهو يؤدّي إلى الصحن الجنوبيّ. إنهما بابان بسيطان مع عضادات بالكاد ظاهرة معالمها وساكفين يعلو كل منهما قوس تخفيف الحمولة منخفض ومشابه للآخر. نجد فوق قوس تخفيف الحمولة الخاص بالباب المركزي الغربي بلاطة (بقياس ٠،٤٠ × ٠،٤٣ م. ) نقش عليها صليب ووضعت عند الواجهة الخارجيّة للجدار. إن هذا الصليب تذكاريّ بعوارض، وعوارضه تتسع كلّما بَعُدت عن المحور. يتعذ ّر للأسف مع حالة الحفظ الرديئة للبلاطة أن نتبيّن دقـّة نقش أطراف الصليب، ذلك أنـّها كلـّها متآكلة.
الإنارة الخافتة التي تخترق الكنيسة تعبر بفضل النوافذ والمناور التي قد طرأت عليها تغييرات في حالتها الحاضرة. وحده المنور الذي يخترق أعلى الجدار الغربي، فوق الباب الرئيسيّ، قد يرقى إلى العصر الوسيط. إنـّه فتحة ضيّقة، مقوّسة ومتـّسعة.
تكشف الجدران الخارجيّة للكنيسة، رغم التجانس الذي تبدو عليه، تباينات عديدة في أساليب المعالجة. هكذا نجد مثلاً أنّ كلّ الجزء الأعلى والأوسط من الجدران الشماليّ، فوق الباب، مرمّم. بنيت هذه الجدران أساسًا بحجارة دبش متناسقة بشكل أو بآخر على ركيزة. والزوايا معزّزة بحجارة ضخمة مقصّبة ومتداخلة عند الزاويتين الشماليّة-الغربيّة والجنوبيّة-الغربيّة. و هذه التباينات تنمّ عن تاريخ معماريّ معقـّد.
الجدران الفاصلة داخل البناء، التي تحمل بشكل خاص العقود التي تعلو الفسحات المركزيّة في الكنيسة، تختلف بوضوح بنوعيّة بنائها عن الجدران الخارجيّة. فهذه الجدران التي يبلغ عرض كل منها حوالى المتر، بنيت بكتل حجريّة مقصّبة بعناية. وقد استعمل نمط البناء ذاته أيضًا في جزء من العقود فوق الكورنيش المزخرف، ويمتد هذا الجزء فقط على مدى ستة صفوف من الحجارة المبنية على أقل تقدير. وقد بني على هذا المنوال كامل العقد الذي يعلو قسم من الكنيسة. أما في ما تبقى فوق هذه المداميك فقد بني العقد بحجارة أقل انتظامًا. ومن المرجّح أن كل جدران العقود بنيت أساسًا بهذا النمط من ترتيب الحجارة. وقد رمّمت الأقسام المنهارة من السقف المعقود بمواد مختلفة وأقل جودة. انطلاقًا من هذه الاعتبارات ومن بعض المؤشّرات التي تبدو عند أسفل تصالب العقود، هناك ميل إلى الظنّ بأنّه بدل العقد المتصالب الموجود حاليًّا في وسط الكنيسة ارتفعت قبة مركزيّة انهارت لاحقًا.
إذا صحّت فرضيّتنا هذه، تكون كنيسة القدّيس جاورجيوس في كفرعقـّا ذات مخطط وارتفاع ينتميان إلى العمارة البيزنطيّة المحلـّيّة بامتياز. وحسب المعلومات المتوافرة حتـّى الآن لدينا، فهذه الكنيسة هي النموذج الوحيد على الأقلّ في لبنان الذي لم يعرف عبر تاريخه أيّة كنيسة ذات قبّة. أما في ما عداه في كل منطقة الشرق الأدنى فهذا النمط من المخططات والعلو لم يكن منتشرًا كثيرًا. فالكنيسة الأقرب من حيث الشكل والجغرافيا هي كنيسة الصليب الأقدس الجيورجيّة التي تقع في ضواحي مدينة أورشليم.
نلاحظ وجود فجوات مستطيلة في جدران العقود السريريّة، تبعد عن بعضها البعض مسافات متساوية وعلى ارتفاع واحد. يبدو أنها كانت ثقوب لتدعيم السقالات حيث تثبّت عوارض القوالب الخشبيّة للعقد. بعد تفكيك السقالات انتفت الحاجة إلى الفجوات لكنـّها استخدمت بمهارة في هندسة الصوت إذ وضعت فيها جرار فخاريّة لامتصاص الصدى. وما زالت بعض الجرار محافظة على مواقعها داخل الفجوات حتـّى اليوم.
ترقى كنيسة القدّيس جاورجيوس في كفرعقـّا إلى العهد الصليبيّ (القرنان الثاني عشر والثالث عشر)، ونستند بذلك إلى وجود الكورنيش المزخرف والمدخل ذات العقد المزخرف بدوره. ولو افترضنا أن المدخل هو إضافة لاحقة، فمن الصعب تصوّر أن يكون الكورنيش المزخرف قد بني بدوره لاحقـًا. نجد في كل الأحوال بأن القرية قد ذكرت في وقفيّة تعود إلى القرون الوسطى:
"Cafaraca هي إقطاعة في كونتيّة طرابلس حمل اسمها مالكوها. هذه القرية وهبها إلى الاسبتاليّة عام ١١٢٧ بونز، كونت طرابلس. وتقع في موضع قرية كفرعقـّا Kefer-Akka أو Keferaka جنوب وجنوب شرق مدينة طرابلس. ما نزال نرى فيها بقايا حصن يعود للعصور الوسطى".
لم يتمّ حتـّى اليوم التعرّف على الحصن المذكور والجزم بتحديد موقعه. جان كلود فوازان
(Châteaux et Églises du Moyen Âge au Liban, 1999, p. 392) هو أوّل مَن حدّد "في وسط القرية، على أعلى نقطة، قرب كنيسة السيّدة القديمة" وجود بناء مرمّم هو الأكثر تقاربًا مع البيوت الحصينة التي ترقى إلى القرون الوسطى. ما يطرح تساؤلات ما إذا كان هذا البناء هو الأثر الأخير من ذلك الحصن المنيع. ندخل هذا المعلم عبر باب مقوّس بقوس منخفض مؤلـَّف من ثلاث فقرات، ومفتاح عقد لافت. في الداخل، دُعِّم العقد السريريّ بقوسين صغيرين متينين يفصلان المدى إلى ثلاث فسحات بالعرض. نجد فتحات في الجدران الجانبيّة تقود إلى غرف غير مكتشفة.
ليفون نورديكيان
آب ٢٠٠٧
تعريب الأب جورج برباري
|